فتاة ماهرة | قصة

فتاة ماهرة


كثيرًا ما كنتُ أرى التعليقات تنهمر كالسيول على فيديوهات البث الحي في يوتيوب، لكنني لم أكن أعرف أن الموقع يسمح بفتح نوافذ محادثات خاصة قبل أن أجد ذلك التنبيه من "فتاة_ماهرة_93" كما كان لقبها هناك.


كان عنوان الفيديو "بث حي لموسيقى الحديقة الجوراسية مُبطَّأة بنسبة 1000%"، ولم يكن يحظى - بالطبع - بنسبة مشاهدةٍ كبيرة، لهذا ظهر التعليق الوحيد من الفتاة الماهرة كحدث مهم: "بم يدعون دينوصورًا أعمى؟"


ابتسمتُ لاإراديًا، فأنا قد شاهدتُ الفيلم أكثر من مرة، لكنني أتيتُ هنا لأول مرة بصدفةٍ بحتة، واكتشفتُ أن هذه الموسيقى تريحني أكثر من أي شيء آخر. وعندما كتبتُ الإجابة كما جاءت في الفيلم انبثقَت نافذة الرسالة الخاصة فجأةً أمام عيني: "لا يأتون إلى هنا في قُطعان، أليس كذلك؟"


إشارة أخرى للفيلم. هذه فتاة - إن كانت كذلك بالفعل - ماهرة حقًا. ولأكثر من ساعة ونصف تحدثنا عن أشياء كثيرة جدًا لكن بعبارات مايكل كرايتون مع إجراء تعديلات بسيطة ذكية. عن الفيلم وسبيلبرج وستان وِنستون وجون وليامز وإيان مالكولم والدايلوفوصورس وحياة ما قبل التاريخ وبعده وحياتنا البائسة التي تتحرك أغلب المخلوقات فيها في قطعان وحياة المستقبل التي بدأت تطل برأسها بالفعل من مرايا الخيال العلمي السوداء، لكنها قالت لي فجأة أن هناك من أغلق الباب في الخارج بعنفٍ جعل الشاي في كوبها يتراقص في موجات، وأن عليها أن تذهب في الحال لترى ما جرى، وكان هذا آخر ما وصلني منها.


انتظرتُ عودتها يومها ولأيامٍ وأسابيع وأشهر بلا جدوى، ولسببٍ ما أشعر في قلبي أنني لن أراها قبل أن تمر 65 مليون سنة أخرى على الأقل، لكنني ما زلتُ حتى اليوم أدخل كلما سنحت الفرصة إلى صفحة الفيديو - الذي صارت موسيقاه تعذبني أكثر من أي شيء آخر - وأفتح الأبواب والنوافذ كلها في الخارج، وأطفئ الأنوار كلها عدا شاشة يوتيوب المؤطرة بالأحمر ولمبات الراوتر الخضراء الصغيرة المرتعشة، وأراقب انعكاساتها في الظلام على سطح كوب الشاي البارد المستوي تمامًا كالزجاج.


يونيو 2019

تعليقات

اختيارات قراء هذا الأسبوع