أشرس الضواري المعروفة ليس سوى فطر يقتل الضفادع | تقرير مترجم


أشرس الضواري المعروفة ليس سوى فطر يقتل الضفادع

التجارة العالمية للحيوانات الأليفة ساعدَت هذا الفطر على اجتياح 500 نوع من البرمائيات!

بقلم أولا شروباك وترجمة أحمد الديب

ضفدع هيلينا الشقباني (جاستروكا هيليني) مع صغاره. حقوق الصورة: ألديمار أسيفيدو رينكون



تتعدد أمثلة ما يُعرف بظاهرة الأنواع المُغِيرة، من أسماك الأسد (أو التنين) التي تجتاح السواحل الشرقية للقارة الأميركية وتهدد ثروتها السمكية، إلى نباتات الكشت المتسلقة التي غَزَت غابات الجنوب وخنقَت الحياة النباتية تحت ظلالها، إلى علاجيم القصب التي جلبها الأستراليون للقضاء على آفات محاصيل القصب فصارت هي الآفة الأكثر خطراً في القارة كلها! لكن إن أردنا الإشارة إلى النوع المُغير الأكثر فتكاً على الأرض فسنحتاج إلى الاستعانة بمجهر، لنرى ذلك النوع من الفطريات الأصيصية المسمى بفطر الكِيتريد.

هذا هو ما صرَّحَت به دراسة نُشرَت مؤخراً في دورية ساينس قامَت بإحصاء ضحايا هذا الفطر القاتل حول العالم. يقول "بِن شيل" خبير علم البيئة التطبيقي بالجامعة الأسترالية الوطنية والباحث الأساسي بالدراسة: "يعرف الجميع أن الكيتريدية الفطرية داءٌ لعين يفتك بالبرمائيات فتكاً، لكننا لم نكن نعرف أعداد قتلاه على وجه الدقة. ما قمنا به في دراستنا هو الإلمام بحجم الكارثة من نواحي الأعداد والأمكنة والأزمنة."    
                                         
ظهر فطر الكيتريد البرمائي، (واسمه العلمي ب. دِندروباتيديس Batrachochytrium dendrobatidis) لأول مرة في شبه الجزيرة الكورية، حسبما تقول دراسة في علم الوراثة نُشرت في العام الماضي، ومنها غزا العالم بالتدريج في أوائل القرن العشرين عبر التجارة العالمية للحيوانات الأليفة. ويبدو أن أبواغ هذا الفطر قد نجحَت في التسلل إلى قارات العالم مع ازدهار التجارة العالمية، وركوب بعض الضفادع المريضة للسفن العابرة بين بلاد الأرض.

للبرمائيات جلود رقيقة رطبة، تتنفس وتمتص الماء عبرها، يدخل الكيراتين (وهو البروتين نفسه الموجود في شعورنا وأظافرنا) في تكوينها. والكيتريد - الفطر المائي الذي ينتشر عبر التلامس والمياه الملوثة - يلتهم هذا البروتين، ويظل في اجتياح لا يتوقف لجلد ضحاياه حتى يقضي على نظام تنقُّل الإلكتروليتات عبر الجلد، وهو النظام الضروري للمحافظة على وظائف أعضاء البرمائيات، وعندها تسقط الضحية (الضفدع، أو العلجوم، أو السَّمَندَل عاثر الحظ) بأزمة قلبية.

وعلى ما يبدو فالضحايا تتساقط منذ سبعينيات القرن المنصرم على الأقل، لكن العِلم لم يكن يعرف فطر الكيتريد حتى عام 1998، وفي عام 2007 نَسَبَ علماءٌ الكثير من الوفيات الغامضة السابقة إلى الفطر، وقدَّروا أن قبضته قد طالَت ما يقرب من مئتي نوع من الضفادع.

وقد استعانت الدراسة المنشورة في دورية ساينس بخبراء وقواعد بيانات من مختلف أرجاء العالم، من أجل رسم أدق خارطة ممكنة لآثار فطر الكيتريد. تقول الدكتورة "لويز رولنز-سميث" أستاذة علم الأمراض والمناعة بجامعة فندربيلت، والتي لم تشارك في الدراسة: "هذا العمل هو أدق وأشمل دراسة لدينا الآن، تكشف عن أسرار الانقراضات المؤسفة التي تشهدها صفوف البرمائيات حالياً حول العالم."

تقول الدراسة أن فطر الكيتريد اجتاح 501 نوعاً مختلف من البرمائيات في أرجاء الأرض، منها 90 في عداد الأنواع المنقرضة اليوم، وقد كانت الإصابات قد تركزت بالذات في أميركا الوسطى والجنوبية وأستراليا. نصَّت الدراسة على أن هذه هي "أكبر خسارة موثقة في التنوع الحيوي تُنسَب لكائن واحد، وهو ما يضع فطر ب. دِندروباتيديس على رأس قائمة الأنواع المُغيرة الأكثر فتكاً."

وهكذا فبالمقارنة مع القطط التي تهدد 430 نوعاً بالانقراض (معظمها من الطيور والثدييات الصغيرة)، والقوارض المُغِيرة التي تهدد 420 نوعاً، فتهديدات فطر الكيتريد أكثر فداحةً بكثير. وهو يتجاوز في الخطورة أيضاً العديد من الأمراض التي تفتك بالحياة البرية، مثل فيروس غرب النيل في الطيور ومتلازمة الأنف الأبيض في الوطاويط.

وقد بلغَت شراسة الفطر حدودها القصوى في الثمانينيات، مع ذلك فأعداد 39 نوعاً من البرمائيات المصابة ما زالَت حتى اليوم في تناقص. وبينما هدأت وتيرة نوبات التفشِّي الآن، لكن المرض ما زال يشكِّل تهديداً عالمياً، خاصةً عند تمكنه من اجتياح منطقة جديدة. تقول "رولنز-سميث": "التناقص الموثَّق يحدث منذ نصف قرن تقريباً، غير أن من المهم جداً ألا تغيب عن أنظارنا حقيقة أن التناقصُ لا يزال مستمراً."

وقد نجح فريق الدراسة في استخدام البيانات التي جمعوها من أنحاء العالم لتحديد الظروف البيئية التي تُساعد فطر الكيتريد على الانتشار وتلك التي تحد منه، واستنتجوا أنه يزدهر في المناطق الرطبة الباردة مثل مواطن العلاجيم المزركشة (من جِنس Atelopus) زاهية الألوان التي تقطن المناطق المرتفعة من أميركا الوسطى والجنوبية، والتي يحصد الانقراض أنواعها المختلفة يوماً بعد يوم. يقول "شيل": "تلك واحدة من النتائج المؤسفة التي وصلَت دراستنا إليها. هذا الجنس الرائع الجذاب من العلاجيم يتعرض بالكامل لمطاردة بلا هوادة من فطر الكيتريد."

لكن بصيص الضوء في نهاية هذا النفق يقول أن نسبة 12% من الأنواع التي يهددها الفطر صارت أعدادها اليوم تشهد بعض التحسُّن. ففي منتزه يوسيميتي الوطني مثلاً عاد ضفدع سييرا نيفادا أصفر الأقدام إلى التعافي والتكاثر في البحيرات هناك. يأمل العلماء في شهود مثل هذا التعافي على نطاق أوسع، رغم أننا لم نكتشف بعد علاجاً للبرمائيات المصابة، أو طريقةً للقضاء على الفطر. بل نجهل كذلك إلى أية فترات تستطيع فطريات الكيتريد البقاء في المياه إذا خلَت من الضفادع، حسبما تقول "رولنز-سميث".

أقصى ما بأيدينا اليوم أن نتخذ كل ما يلزم للحد من انتشار الفطر، بسَنِّ وتطبيق المزيد من القوانين المنظمة لتجارة الحيوانات حول العالم. يعقب "شيل": "نأمل في رفع درجة الوعي العالمي بالتهديدات الخطيرة المحدقة بالتنوع الحيوي والحياة البرية. وفي عالمنا اليوم - الذي يشهد حركات تنقلات لكائنات حية حول الأرض بمعدلات غير مسبوقة – نحتاج بشدة إلى التفكير بشأن معايير السلامة الحيوية، والمخاطر الكبيرة التي قد تسببها كائنات متناهية في الصغر، تصحبنا في أسفارنا دون أن نراها."


التقرير الأصلي هنا، والترجمة العربية هنا.   


تعليقات

اختيارات قراء هذا الأسبوع