اليد | قصة


اليد



لم أكن حينها أعرف شيئًا تقريبًا عن أنواع الأشجار، ولهذا لم أتخيل هوية تلك الشجرة الصغيرة إلا بعد أن رأيتُ الرمانة أسفل منها. رمانة أعلنَت درجة حمرتها عن نضوج كامل ربما، رغم أنها لم تكن تجاوزَت حجم ليمونة. فوق الأغصان النحيلة كُرات خضراء أصغر لها هيئة الرمان، أكَّدَت لي أن الرمانة الحمراء لم تُلقها على الأرض هنا يد الصُّدفة. دون تفكير مددتُ يدي لألتقطها. رمانة حقيقية كاملة، لم تزدها ضآلتها إلا جمالًا ونضارة. أشفقتُ عليها من المصائر التي تنتظرها تحت الشجرة، وقررتُ أن أحملها معي إلى البيت.


في البيت فقط بدأتُ أرى حماقة قراري. لن أجرؤ بالطبع على تقشيرها، وحتى إن اكتشفتُ أنها ناضجة حقًّا، فهل سيسعدني أن أبتلع هذه التحفة بقضمة واحدة؟ هل أكتفي بمتعة النظر إليها حتى يبدأ العفن الحتمي في غزوها أمام عيني؟ هل كان الأفضل -لكلينا ربما- ألا أراها منذ البداية؟


لم تخبرني الأيام بالإجابة، لكنها أيضًا لم تسمح للعفن بالاقتراب من الرمانة الصغيرة. لسببٍ ما تصلَّبَت قشرتها بالكامل كدرعٍ بلا ثغرة واحدة. حالَ لونُها بالطبع واكتسب مسحةً بُنيَّة شاحبة، وتهدَّلَت قليلًا استدارتها الأولى في بعض المواضع، لكنها ظلَّت رُمانتي التي أعرفها في قلبي، ويعرفها أيضًا مَن دخل بيتي على مدار تلك السنين كلها، ورآها في موضعها الثابت بين الموقد والحوض.


والآن صرتُ أعتقد أنه لم يعد هناك مجال للكلام عن يد الصُّدفة، وأن حفظ هذه الرمانة من أن تكون مأدبةً للفطريات والبكتيريا لم يكن سوى معجزة حقيقية كاملة. بل أزعم أيضًا أنني على استعداد تام للإيمان بأن معجزة صغيرة أخرى قد أصابت قلب رمانتي، وبأن درعها البني ربما يُخبِّئ تحته -بعد كل هذا العُمر- حبَّات تنبض بحلاوة العسل وتتوهج سِرًّا بحمرة الياقوت.





8/3/2021



تعليقات

اختيارات قراء هذا الأسبوع