حمُّود | قصة

حمُّود


لم يكن حمُّود قابيل يكتب القصائد إلا ليطعم بها الديدان التي تنهش جوفه بلا هوادة. كانت الدودة الأولى قد فقست بيضتها في بطنه بعدما هوَت صفعة أبيه الأولى على لحم خده، وبدأت على الفور في التهام أنسجة أمعائه. ومع كل صفعة على وجهه أو قفاه أو مؤخرته أو على روحه، كانت الديدان تولد وتتغذى وتكبر وتُخرج مع فضلاتها موادًا تشبه في تركيبها الكيميائي النواقل العصبية البشرية كالدوبامين والسيروتونين، لكنها كانت في الحقيقة سلاحًا بيولوجيًّا تسيطر به على عقل مضيفها وتدفعه إلى ارتكاب كل ما يُفضي به إلى تلقي المزيد من الصفعات.

وعندما كان النهش يشتد كان حمود يبحث عن بعض الإهانات ويبتلعها عامدًا ليُلهي بها الديدان قليلا عن لحم جوفه. وذات ليلة جرب أن يلتهم ديوان شعر كان قد استعاره من حنان ابنة الجيران، وقد كانت كل قصائده مليئة بالشكوى وعلى ما يبدو فإن طعمها قد نال استحسان الديدان لأنها كانت طوال الوقت تهمزه من الداخل طلبا للمزيد.

وقد كانت ذائقة الديدان ذات طبيعةٍ خاصةٍ جدًّا، فلقد ألقَى إليها مرةً بقصيدةٍ وقعَت في يده لوِليَم بليك فلفَظتها على الفور وتعمَّدَت إظهار أشد العقاب. ومع التجارب صار حمود أكثر خبرة بالقصائد وبالمفردات التي تثير شهية الديدان أكثر من غيرها، مثل "وجع" و"بقايا" و"سجائري"، فصار يكتب قصائده الخاصة ويطعِّمها بتلك الألفاظ ويبتلعها ثانية على سبيل القربان.

ومع غزارة الإنتاج بدأ في التصدير لجمهورٍ خارجيٍّ من شلة المقهى، وصار لا يقبل أبدًا أن يُكتب اسمه دون لقب "الشاعر"، وأظهر عزيمةً لا تلين في التقدُّم بأعماله إلى المسابقات المحلية والمجلات العربية، حتى أحرزَت قصيدته "أنين الصمت" جائزةً في مسابقة قصور الثقافة.

وبسبب هذه الأجواء المشحونة بالانتصارات لم ينتبه مبكرًا إلى الاختفاء التدريجي للنهش، لكنه لم يتردد في زيارة الأطباء وسؤالهم عن احتمال عودة الحياة إلى الديدان الطفيلية، ثم صار يتعمد التشاجر مع الجيران والزملاء والأقارب وحتى شلة المقهى والغرباء على الإنترنت، أملًا في الحصول على صفعةٍ حقيقيةٍ واحدة.



سبتمبر 2019

تعليقات

اختيارات قراء هذا الأسبوع