الوطواط | سيناريو قصة مصوَّرة


الوطواط
(سيناريو قصة مصوَّرة)

قصة: أحمد الديب – سيناريو: محمد الوكيل وأحمد الديب



(الزمن: نهار خارجي – يسلّط الكادر من بعيد على محطّة ترام مزدحمة في الاسكندرية، مع zoom in تدريجي من الأعلى نحو المحطّة)
البطل للقارئ: إذا أردتَ أن ترى لمحة من مستقبل مدينتي هذه، فاذهب إلى أقرب محطة للترام.
(أربعة كوادر بسيطة تمرّ على وجوه المزدحمين على رصيف المحطّة)
البطل للقارئ: سيارة الأجرة تخبرك بالثقافة الشعبيّة، / والحافلة تخبرك بمستوى الرضا عن الحياة. / القطار يخبرك بأخلاق الناس، / والميكروباص يخبرك - بوقاحة - بكلّ تفاصيل الواقع.
(يسلط كادر عريض على ترام قديم واقف في محطّة الترام حوله زحام الركّاب صاعدين وهابطين)
البطل للقارئ: لكن المستقبل لا يخبرك به إلا الترام العجوز.
(يظهر في جانب الكادر طرف قبعة البطل وطرف ياقة معطفه، وعين لامعة في ظلام وجهه، وهو ينظر إلى مجموعة بعيدة من أطفال المدارس يلبسون أزياء مدرسية متشابهة لكن غير موحّدة - في محاولة للظهور كمتمردين - يقفون مجتمعين في غير نظام بجانب الترام)
البطل للقارئ: متى أصبح أطفال المدارس هكذا بالضبط؟ / لا أعرف لأنني لم أكن من ركّاب الترام حين بدأ الوباء.
(يقترب الكادر من وجوه الأطفال، وعلى وجوههم ابتسامات شريرة ونظرات خبيثة)
البطل للقارئ: شيء في نظرات الأطفال تغيَّر بشكلٍ جذريّ. / شيء يظهر كأوضح ما يكون حين تطفو تلك الابتسامة الغائبة فوق ملامحهم الباهتة.
(يقترب الكادر جداً من الابتسامة الشريرة لأحد الأطفال، وترتسم في ركن الكادر - حسب الإمكان - ابتسامة حيوان ضبع حقيقيّ، للمقارنة بين ابتسامة الطفل وابتسامة الضبع)
البطل للقارئ: هل رأيتَ من قبل ضبعًا يبتسم؟ / بالطبع قد رأيت، فالضباع خُلِقَت بتلك الابتسامات المحفورة على وجوهها / ويبدو أن الوضع لا يختلف كثيرًا عند تلك الضباع البشريّة الضئيلة.
(الكادر مسلّط على الأطفال وهم يصعدون باب الترام متزاحمين)
البطل للقارئ: لماذا يفضّلون الترام؟ / بالطبع لنفس السبب الذي تفضل من أجله الضباع التسكع قرب آكلات العشب؛
(الكادر مسلّط على زوج وزوجة عجوزين يلبسان ثياباً على درجة من الأناقة ويبدوان في مستوى اجتماعي جيّد، الزوج له شارب أشيب مختلط بشعرات سوداء ويلبس معطفاً أنيقاً، والزوجة تلبس عقد لؤلؤ ثمين وواضح)
البطل للقارئ: البحث عن فريسة سهلة.
(الكادر مسلط على الأطفال وهم يتحرّكون داخل الترام ويقومون بأفعال مختلفة)
البطل للقارئ: في الترام يُتاح لهم الوقوف، والتجمع، والحركة، والتنقل، / والأهم: انتقاء الضحايا، ودراستها، ومراقبتها وجهاً لوجه.
(الكادر مسلّط على طفل يحاول إيذاء راكب عجوز)
البطل للقارئ: في العادة يختارون الركاب الوحيدين الذين لا تبدو عليهم علامات القدرة على الدفاع عن أنفسهم.
(الكادر مسلّط على بضعة أطفال ينظرون في مكر إلى طالب نحيل قصير بملامح إندونيسية أو ماليزية يقف في الترام وحيداً)
البطل للقارئ: فالطلاب الأجانب مثلاً، أصحاب الملامح الآسيوية بالذات، أهداف ممتعة للغاية. / لكنهم قد يأتون بردود أفعال غير متوقعة، لذا يكتفون في الهجوم عليهم غالباً بالنظرات والغمزات. / لكن الضحايا لا يملكون دائمًا نفس حسن الحظّ.
(ينتقل المشهد إلى موقف آخر. الزمن: نهار داخلي – المكان: داخل عربة ترام – جانب وجه البطل وقبعته وياقة معطفه تظهر في أقصى يمين الكادر، وهو ينظر إلى زحام متجمّع حول باب العربة)
البطل للقارئ: لن أستطيع أبدًا نسيان ذلك اليوم. / كان الترام قد وصل إلى محطته الأخيرة، وكان الركّاب متحلّقين حول باب العربة.
(ينتقل الكادر إلى الزوج والزوجة العجوزين ساقطين على رصيف الترام وعلى ثيابهما التراب، وعقد الزوجة منفرط وحباته متناثرة حولهما، ويقف حولهما زحام كبير من الناس يشاهد، وبالقرب منهما ثلاثة محصّلين أمامهم نفس المجموعة من أطفال المدارس)
البطل للقارئ: على رصيف المحطّة تكوّم رجل وإمرأة في سنّ أبي وأمّي تقريبًا. / السيدة بالذات كنت لها هيئة أمّي من بعيد.
(الكادر يقترب أكثر من الرجل والمرأة وهما يحاولان النهوض بصعوبة، ومن أحد المحصلين - يلبس نظارة وله شارب كث - وهو يصيح في الأطفال دون أن يظهر ما يقول)
البطل للقارئ: كان الزوجان يحاولان النهوض وسط حلقة المشاهدين، / وبدا أن محصل التذاكر ذو النظارة والشارب الكثيف هو الوحيد الذي كان يفعل شيئًا ما.
(الكادر مسلّط على المحصّل وهو يمسك ياقة قميص أحد الأطفال ويصرخ)
- المحصّل للطفل (بصراخ عالٍ): مين اللي زقّهم كده؟!
(كادر صغير مسلّط على جانب وجه الطفل)
* الطفل للمحصل صائحاً: والله ما نعرف. إحنا مالنا يا عمّ؟
(كادر مسلّط على المُحصلين الاثنين الآخرين يتحدثان إلى المحصل ذي الشارب والطفل بينما يظهر طرف وجه الطفل في أدنى يمين الكادر)
- المحصل الآخر للمحصل ذي الشارب: سيبهم يا جابر دي عيال ما اتربتش. يالا يا ابني إنت وهو امشوا من هنا.
(كادر مسلّط على المحصل جابر وهو يساعد الزوجين على القيام ويتحدث إليهما، والزوج ينفض التراب عن ملابس زوجته)
- الزوج لجابر: معرفش مين فيهم. زقونا من ضهرنا أنا ومراتي وإحنا نازلين.
(كادر مسلط على الزوجة، دموعها في عينيها وهي منحنية تجمع حبات العِقد الثمين)
الزوجة للزوج بصوت خفيض: قلت لك مش عايزة أروح السينما. قلت لك مش عايزة.
(كادر كبير مسلّط على الزحام حولهما. الناس صامتون وبعضهم يلتفت بعينيه بعيداً هارباً من النظر للمشهد)
البطل للقارئ: لم ير أحد من فعلها./ أو رأى وآثر الصمت لأنهم عيال.
(كادر مقرب لوجه البطل وملامحه تنطق بالغضب رغم أن نصف وجهه مخفي تقريباً بالظل وبملابسه، وينظر إلى طفل شاحب يبتسم ابتسامة شريرة)
البطل للقارئ: لكني حينها لم أفعل سوى مراقبة وجوههم. / وكنت أرى شبح ابتسامة ظافرة كريهة في عينيْ ذلك الولد.
(كادر مسلط على وجه البطل. يلبس معطفاً شتوياً رماديّاً ذا ياقة طويلة وقبعة شتوية "Hoodie" يخفيان وجهه، وبعض الظلال على وجه البطل لإخفاء ملامحه تماماً)
البطل للقارئ: فكرتُ للحظة أن أخبر المحصل الذي كاد يخلي سبيل الأولاد / لكن بم سأخبره؟ لم يكن لديّ دليل..
(كادر يقترب جداً من عينيّ البطل المشتعلتين بنظرة غاضبة)
البطل للقارئ: لم يكن لديّ وقت..
(كادر منقسم إلى لوحتين: اللوحة الأولى لقبضة البطل مضمومة بقوة وغضب، واللوحة الثانية لقبضة البطل وجزء من معطفه، وهو يلكم الطفل لكمة قويّة يسقط الطفل على الأرض بسببها)
البطل للقارئ بلهجة غاضبة مفاجئة: لم يكن لديّ ما يُقال!
(كادر مسلّط على ساقيِّ البطل وحذائه الأسود الشتوي الثقيل "بوت"، والطفل ملقى على الأرض أمامه، ومن خلفه من بعيد يظهر زحام لركاب يصيحون، وأمامهم المحصلون يركضون نحو مكان الحدث)
البطل للقارئ: لم أشعر بشيء إلا عندما بدأ الرّكاب بالتصايح، وبدأ المحصّلون في المحطّة بالتجمهر.
(كادر مسلّط على البطل ووجهه مخفيّ، يلتفت ناظراً في تركيز إلى الخلف)
- أصوات عالية مختلطة في الخلفيّة: ليه؟! حرام! عيال!
(كادر مسلّط على وجه المحصّل جابر وهو ينظر نفس النظرة ذات المعنى إلى البطل – الكادر صامت)
(كادر مسلّط على ساقي البطل وهو يركض بسرعة)
البطل للقارئ: تبادلتُ تلك النظرة الخاطفة مع المحصل (جابر)، / ثم انطلقت بأقصى سرعتي في شوارع المدينة الرّماديّة.
(كادر مسلّط على وجه البطل وهو يركض)
البطل للقارئ: أعرف أنهم سيعودون./ أعرف أنهم قادمون لا محالة. / لكنني سأكون في انتظارهم.
(كادر مسلّط على ظهر البطل وهو يركض)
البطل للقارئ: أعرف أنني وحدي.. / لكنني أعرف أن عمّ (جابر) سيحتاج إليّ كما سأحتاج إليه.
(كادر أبعد مسلّط على ظهر البطل وهو يركض)
البطل للقارئ: أعرف أن ما سأفعله قد يجعلني مطلوبًا - ويا للسخرية! - للعدالة. / لكنني أعرف شيئًا ما عن العدالة الحقيقيّة. / عدالة أن يشعر هؤلاء الشياطين بشيء من الخوف.
(يعود الكادر إلى محطة الترام، والكادر مسلّط على زحام في وسطه بعض الركاب يتحدّثون إلى ضابط شرطة وأمين شرطة موجودين في المكان)
البطل للقارئ: أعرف أنهم سيبحثون عنّي، لكن هذا هو بالضبط ما أريد.
(الكادر مسلّط على البطل وهو يركض مرة أخرى، لكن من واجهته، والمشهد يعرض شكله كاملاً لكن وجهه مختفٍ كما هو وتلتمع عيناه في الظل)
البطل للقارئ: فليبحث من يشاء عن ذلك الراكب الأسطوري الذي يرتدي المعطف الرماديّ الطويل بغطاء الرأس الذي يخفي عينيه ونصف وجهه.
(الكادر مسلّط على وجه الطفل، وجه الطفل متورّم من أثر الضربة، وينظر باتجاه البطل نظرة لئيمة متوعّدة، وجهه شاحب جداً، على شعره مسحة من لون أخضر باهت وعلى ثيابه لمسة من لون بنفسجي خفيف - في إشارة إلى شخصية الجوكر! - والأطفال الآخرون حوله)
البطل للقارئ: فليبحث عني الولد ذو الوجه الشاحب الطويل والابتسامة الكريهة، / الآن أو في اليوم الذي يصير فيه من عتاة مجرمي المدينة.
(الكادر مقرّب جداً على شبح ابتسامة للبطل بزاوية الفم - في إشارة لابتسامة باتمان الأيقونية “Batgrin” - بينما بقية وجهه مختفٍ في الظلام)
البطل للقارئ: كيف أعرف مستقبله؟ / ألم أقل لك؟ إذا أردت أن ترى المستقبل فاذهب إلى أقرب محطة للترام. / اذهب ولا تخش العيال..
(الكادر مسلّط على وجه المحصل جابر وعلى ملامحه نظرة جادة قلقة تذكرنا بنظرة "جيمز جوردون" مفوض الشرطة وهو ينتظر وصول باتمان بعد إطلاق الإشارة)
البطل للقارئ: فهم يعرفون أن المحصل جابر يعرف وجه كلّ واحد منهم..
(الكادر يدور فيه مشهد تخيّلي في رأس البطل. المشهد ليل داخلي – المكان: داخل عربة الترام – الكادر مسلّط على ظهر البطل وهو واقف في زحام الترام في المنتصف بالضبط بين صفّي المقاعد، والمقاعد عن يمينه ويساره)
البطل للقارئ: كما يعرفون أنني أتنقّل الآن بين عربات الترام،
(zoom out للكادر حتى يكون مسلّطاً على الترام من أعلى وحوله المباني والشوارع، صورة كليّة للترام وللمدينة تحت أضواء الليل)
البطل للقارئ: وأنتظرهم.

(تمت)

تعليقات

اختيارات قراء هذا الأسبوع