كواكب وردية: السناجب الطائرة تتوهج في الظلام! | تقرير


كواكب وردية: السناجب الطائرة تتوهج في الظلام!



"ربما يتبادر إلينا أن ما نراه هو الحقيقة، لكنها – على الأكثر – حقيقة بشرية. أما الحيوانات الأخرى فتعيش حقائق أخرى مختلفة كليًا. وقد صار بإمكاننا اليوم أن نختلس النظر بأعينها، ونميط اللثام عن بعض تلك الحقائق. فالحقيقة – في النهاية – تكمُن في عين الناظر".

هكذا عقَّب البروفيسور (دان-إريك نِلسن) على الاكتشاف المذهل لقدرة بعض أنواع الطيور على رؤية الأطياف فوق البنفسجية. ويبدو أن بعض تلك الحقائق بدأت بالفعل في التكشُّف لأعين البشر. فقد حَمَلَت لنا دراسةٌ نُشرت قبل أيام في دورية علم الثدييات Journal of Mammalogy أخبارًا عن سناجب طائرة تتألق في الطيف فوق البنفسجي بلون وَردِيٍّ وهَّاج!

السناجب الطائرة - وحتى قبل هذا الكشف - كائنات مثيرة الدهشة، تمتلك أغشيةً جلديةً بين أذرعها وأرجلها تسمح لها بامتطاء الهواء والسباحة عبر السماء تمامًا كالطائرات الشراعية! لكن الاكتشاف الأخير يجعلها كذلك ضمن الحالات الاستثنائية المرصودة لثدييات تتوهج تحت الأشعة فوق البنفسجية.

دور الصدفة

وعلى خطى العديد من الاكتشافات المذهلة، جاء هذا الاكتشاف عن طريق المصادفة المحضة! فقد كان الدكتور (جون مارتن) - أستاذ علم الغابات والمشارك في الدراسة - يستكشف إحدى غابات (وِسكونسن) باستخدام كشافات فوق بنفسجية، في بحثه عن بعض أنواع النباتات والأشنات والفطريات والبرمائيات التي تُومض عند التعرض لهذه الأطياف، حين جذبت سمعه ذات ليلة سقسقةُ سنجاب طائر بالقرب من إحدى وحدات تغذية الطيور القريبة، وعندما وَجَّه إليه كشَّافه فوق البنفسجي فوجئ بالسنجاب وهو يتألق في الظلام بلونٍ ورديِّ أخَّاذ!

ولما أخبر زميلته (باولا أنيتش) - عالِمة الأحياء المتخصصة في دراسة القوارض والمشاركة أيضًا في الدراسة - بالأمر وجدَته محيرًا بالفعل، وتساءَلا إن كان ما حدث مرتبطًا بسلوك غذائي معين، أو بمنطقة جغرافية محدودة.

وقادهما البحث إلى متحف مينيسوتا للعلوم والمتحف الميداني للتاريخ الطبيعي في شيكاجو، حيثُ فحصا فراء العديد من العينات المحفوظة هناك لسناجب من مختلف الأنواع باستخدام الكشافات فوق البنفسجية. وبينما لم تُبدِ أنواع السناجب الأخرى استجابة، أظهرَت أنواع السناجب الطائرة الثلاثة - المعروفة في أمريكا الشمالية - الاستجابة الوردية نفسها، في عينات جُمعت في مختلف المواسم لذكورٍ وإناثٍ من شتى أنحاء القارة الأمريكية؛ من كندا إلى جواتيمالا، ومن القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا.

هكذا تتألق السناجب الطائرة تحت كشافات فوق البنفسجي

لكن لماذا؟!

بخلاف أنواع السناجب الأخرى، تعد السناجب الطائرة من الحيوانات الليلية. والقدرة على الرؤية في الطيف فوق البنفسجي لها أهمية خاصة عند الحيوانات التي تمارس أغلب أنشطتها في العتمة. مالَ رأيُ بعض الباحثين إلى أن هذا التوهج يساعد السناجب على التواصل مع بعضها في ظلام الليل، أو أنه يلعب دورًا ما في استعراضات التنافس على التزاوج.

بينما يطرح البعض الآخر احتمال أن يكون التوهج الوردي سلاحًا دفاعيًا من نوع خاص جدًا؛ من ناحيةٍ فالسناجب الطائرة تعيش في غابات تكتسي ألحيةُ أشجارها بالأشنات التي تُطلق في ظلام الليل، وتحت الطيف فوق البنفسجي، تألقات مشابهة. وهكذا ستتماهى السناجب في مهرجان الوهج الليلي هذا. ومن ناحيةٍ أخرى فبعض أنواع البوم يبعث ريشُها توهجات وردية مماثلة، وهذه آلية دفاع مذهلة تتشبه فيها الفرائس المحتمَلة بعُتاة المُفترسين، مثلما تتشبه بعض الفراشات بالبوم، وبعض اليرقات بالثعابين!

وكما رأينا فإن السناجب الطائرة لا تتوهج في الليل وحدها، وإنما تتوهج أيضًا الأشنات والفطريات والبوم ومناقير طيور البَفن وعظام الحَرَابيِّ (حتى عبر جلدها). فبماذا يا ترى سيخبرنا العلم في المستقبل عما يتألق في ملكوته الخاص، محتجبًا خلف ما تراه أعيننا مجرد ظلام؟


نُشر هذا التقرير في الأصل على صفحة العلوم بموقع الجزيرة نت.

تعليقات

اختيارات قراء هذا الأسبوع